الاثنين، 9 نوفمبر 2015

في جنح الظلام ...بقلم المبدعة / عهد حراكي


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاد أبي إلى البيت تحت جنح الظلام، حاملاً فأسه ذا السنّ البراق ،غير عابئ بتعب ساعديه، وضيق في صدره ،وهو يفكر في الغبطة البالغة التي سيحملها إلي بعد الغد ،عندما يتوجه الى المدينة ليشتري لي دراجة .وقد قرر ألا يطلع أحدا على خطته حتى يفاجئني بها . في الصباح كان يسير بخطوات واسعة، ويمناه في جيب سرواله ،تقبض على الفلوس التي ادّخرها طيلة سنة من العمل والكد ، وكانت تمر على شاشة ذهنه طريقة إنفاق ما تبقى منها :
"خمسون ليرة دقيقاً ، مائة ليرة سكراً وشاياً" وتارة يفكر كيف يدبر مبلغ العلف والتبن والملبس والتطبيب ،."لا…عندنا بعض العدس، وزيت الزيتون ،والحليب ونعيش كما عاش أسلافنا مقتنعين بما لديهم من نعم الطبيعة … أما الحذاء سأخيطه" . كل هذا دار في مخيلته أثناء طريقه الى الحافلة التي ستنقله الى المدينة ،مايكاد يستقر على رأي ،حتى يباغته رأي آخر :وعنما وصل ،هاله ما فيها من ازدحام وضجيج لأنه لم يزرها إلا مرة واحدة، راح يتنقل في شوارعها,لعله يهتدي إلى محل بيع الدراجات ،فلم يتمكن . فأخذ يسأل المارة ، كان البعض يتغاضى عن سؤاله والبعض الآخر يجيبه بالنفي .. دبَّ اليأس إلى قلبه ،بينما هو يفكر في الحلّ ، اقترب منه شاب حسن الهندام وسأله بلطف ورقة :
- عما تبحث يا أخي ؟
أشرق وجه أبي والتفت إلى الشاب وقال :
عن محل تباع فيه الدراجات .
قال الشاب:
- نعم أعرفه
ـوكم ثمن الواحدة ؟
ـ من الألف فما فوق .
ـ الف ؟يا رب .
الشاب:
وما هو الثمن الذي تريد أن تدفعه ؟
؟ـ خمسون ليرة أظن أني ،أظن أنها كافية لشراء دراجة .
ـ الشاب بكل تأكيد ،على أن تكون الفلوس التي معك غير مزيفة .
ـ وهل هناك فلوس مزيفة ؟
ـ الشاب ما أبسطك يا أخي .
امتقع وجه أبي واضطربت يده في جيبه .
وماهي إلا هنيهات حتى أخرج النقود التي معه وعرضها على محدثه ليؤكد له أنها سليمة .تناولها الشاب وتفحصها مليا ،تم ردها إليه قائلا:
إنها فعلا خالية من الغش …
انطلق الرجلان وسط الزحام إلى أن انتهى بهما المطاف الى متجر كبير مليئ بالدراجات ، فقدّم الشاب أبي الى صاحب الدكان ،وأوصاه به خيراً وانصرف بعد أن حمل معه الكثير من آيات الشكر والثناء من لسان أبي .
ـ بعد تفتيش استغرق مدة من الزمن ، اهتدى أبي الى ضالته ،وطلب من التاجر أن يفكّ الدراجة ليتمكن من ،حملها فلبَّ التاجر الطلب .
مدَّ أبي يده الى جيبه ليدفع الثمن فجمدت يده ، وتسمَّر في مكانه ،لقد كان جيبه فارغاً تماماً ،وراح كالمجنون يتفحص جيوبه وملابسه موزعا ناظريه على الأرض من حواليه ، علَّه يجد الضائع ،همّ بالخروج ،ليفتش عنها في الشارع ، فسأله التاجر إن كان يعرف الشاب الذي أتى به ….أخذ أبي يتفرَّس في وجهه وهو يستعيدُ اللحظات متعجباً …
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق