الخميس، 12 نوفمبر 2015

المحاضرة الأولى في علم العروض للأستاذ ( عبد الله قصراوي )

- عبد الله قصراوي -
---⏩ الدّرُّ المَعْروض في عِلْم العَروض ⏪---
- الرسالة اﻷولــــــى -
بسم الله الرحمن الرحيم .
مقدمــة : العالم الجليل ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، هو واضع علم العروض من دقات المطارق في سوق الصفارين " النحاسين " ، وضمن للشعر السلامة والبقاء على طول الزمان حيث ردّ به على الشعوبيين والحاقدين الذين اتهموا الشعر العربي بأن ليس له قواعد تضبطه وأصول تسنده ، وذﻻك أنه كان ذات ليلة من ليالي الشتاء مع صاحبه أبي المعلّأ يتباحثون مع قومٍ من الأعاجم في أمور الشعر العربي وغيره من الأشعار فقال الأعاجم : إن الشعر العربي لا ضابط له ولا أصل مع أن شعر اللغات الأخرى عكس ذلك ، قد اتضحت أصوله وعرفت مقاييسه ولا سبيل للخروج عليه ، فردّ أحد أبناء العرب قائلا : إن الشعر أصله الطبع ومقياسه الأذن ، فقال الأعجمي : ما قولك إذا فسد الطبع واختلّ مقياس الأذن ، ماذا يحصل بالشعر يومئذٍ ، فأجابه العربي بمالم يقنع المخالف .
ثم أضاف الفراهيدي : وكنت أزن القولين فأجد الأعجمي مصيبا فيما يقول ، وكنت أقيس أمر الشعر إلى أمر اللغة والنحو وسوف يكون من أمر الشعر العربي في يد الأعاجم ما كان من أمر اللغة العربية عندهم ، فقد أخطأوا فيها ولحنوا ، واضطربت على ألسنتهم حتى تصدى لها النحاةُ
فوضعوا قواعد للأعاجم ضبطوا بها أخطاءهم ، وهذا الشعر أصبح اليوم أداة يستعملونها ، فيخطئون في أوزانه ويضطربون في تعديله ، قال : ومنذ ذلك اليوم وأنا لا أفتأُ أفكر في هذا الأمر .
وهكذا لازم الخليل بن أحمد ، سوق الصفارين يسمع رنات مطارقهم على النحاس فيميز هذه الرنات وكان بعدها يذهب إلى أبي رافع شيخ المغنيين في عصره فيسأله عن قواعد علم الموسيقا ، فيجيبه أبو رافع : وهل الموسيقا نحو له قواعده وأصوله ، أنت تقصد أمرا لا وجود له ؟!! ، وما أن تم للخليل هذا العلم حتى راح يتأكد من نغماته الموسيقية ومقاطعه العروضية
فأدخل رأسه في بئر في داره ... وبدأ يصيح بأعلى صوته مرددا قواعده على مقاطع الشعر
ومقاطع الشعر تظهر واضحة في الصدى الذي تحدثهُ البئر .
وكان لدى الفراهيدي ولدٌ أحمق عندما رأى والده على هذه الحال بدأ يبكي ويصرخ : جُنّ أبي ... جُنّ أبي ، وخرج من الدار وهو يتابع صراخه ، فاجتمع الناس حول الصبي ثم اتبعوه إلى الدار
، فرأوا من حال الخليل ما رأوا والخليل لا يدري ما يدور من حوله ، فتقدّم إليه أحدهم وهو يقول : يا أبا عبد الرحمن اصحُ إلى نفسك وأخرج رأسك من البئر وأخبرنا عما يدعيه ابنك ، فأخبرهم بما انتهى إليه من ابتداع علم يحفظ للشعر العربي سلامته ، ثم التفت إلى ابنه بأسف وخاطبهُ قائلا :
لو كنتَ تعلمُ ما أقولُ عذرتني
أو كنتَ تعلمُ ما تقولُ عذلتُكـــــا
لكنْ جهلتَ مقالتي فعذلتنـي
وعلمتُ أنّكَ جاهلٌ فعذرتُكـــــــا
وفي يوم تاريخي مشهود هرع العالمون والمتعلمون إلى المسجد وخطبهم الفراهيدي قائلا : " لقد كشفتُ عن سر الشعر العربي وضبطه ، فلن يقع فيه خللٌ بعد اليوم ، وهؤلاء المولدون الذين أطلقوا أنفسهم لقول الشعر ليس عندهم من الطبع العربي والأذن العربية ما يخولهم الصحة ، لن يستطيعوا بعد اليوم أن ينقضوا ميزان الشعر العربي ، وأن يدعوا أنه ليس له ضابط ... أيها الناس لن يستطيع إنسان بعد اليوم أن يقول غير الشعر، فيدّعي أنه شعر ... أيها الناس لقد برهنتُ أن العرب الذين ينسب إليهم الشعوبيون الخلل ، يتكلمون عن سجية لها أصولها المضبوطة ، لا يخرجون عنها ولا يحيدون ، ألا يا أيها العرب !! اعتزوا بشعركم وفاخروا الأمم بموسيقاه وحسن ضبطه " ، فما هو علم العروض ؟ .
العروض لغةً : هو الصاري الخشبي الذي يعترض في وسط البيت أو الخيمة ، واصطلاحا : علم معرفة أوزان الشعر العربي ، صحيحه من مكسوره ، وقد استند الخليل بن أحمد الفراهيدي في علم العروض على المقاطع الصوتية التي يتألف منها بيت الشعر ، فوضع لها وحدات تقابلها في الوزن ، حيث يتألف بيت الشعر من شطرين
يسمى الشطر الأول " الصدر " والثاني " العَجُز " ، وهما قسمان ، حشو البيت وعروض البيت ، مثال ، قلت :
سألتُكَ أن تُحدثَني الهُوينــــــا ( صدر )
عن اﻷحبابِ إذْ كانوا وكنـّـــــا ( عَجُز )
سألتُكَ أن تُحدثَني ( حشو ) الهُوينا ( ضرب ) .
عن اﻷحبابِ إذْ كانوا ( حشو ) وكنا ( ضرب ) .
فهذه هي تقسيمات بيت الشعر من صدر وعجز وحشو وعروض وضرب ، فهي واضحة مع المثال ومثلها في كل بيت آخر .
وينقسم بيت الشعر في التقسيمات العروضية إلى أربعة هي : التام . المجزوء . المشطور . المنهوك .
أما البيت التام من الشعر ، فهو البيت الذي استوفى أجزاءه كلها كما نعرفه جميعا .
أما المجزوء من بيت الشعر ، فهو ما حُذِف من كل شطر منه جزء ، مثال ، قال إبراهيم طوقان :
لا تسلْ عن سلامتِهْ روحهُ فوق راحتِهْ
ووزنها : -
فاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُن فاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلن
واﻷصل في البيت وهو من البحر الخفبف ووزنها :
فاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُن فاعِلاتُنْ فاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُن
فاعِلاتُنْ
فحذفنا الضرب اﻷخير من البيت ( فاعِلاتُنْ ) فصار مجزوءا كما نرى .
أما المشطور من بيت الشعر ، فهو ما حُذِف نصفه ، مثال : قال أبو فراس الحمداني :
أستعملُ الشدَّةَ في أوانها ( هذا البيت اﻷول )
وأغفرُ الزلة في إبانهــــا ( وهذا البيت الثاني )
أما المنهوك من بيت الشعر ، فهو ما حُذِف ثلثاه وبقي ثلثه : مثال : قال دريد بن الصمة :
يا ليتني فيها جذعْ ( هذا البيت اﻷول )
أخبُّ فيها وأضــعْ ( وهذا البيت الثاني )
وهناك نوع خامس يضاف للأبيات وممكن أن يكون تاما أو مجزوءا أو مشطورا أو منهوكا ، وهو يدعى البيت المدوّر ، وهو بيت يشترك فيه شطرا البيت بكلمة واحدة يكون بعضها في صدر البيت وبعضها الآخر في عجز البيت ، وحينئذٍ يسمى هذا البيت مدوّرا :
مثال ، قلت :
ما أنتَ أولَ مَنْ فقدتُّ منَ الذيــ نَ أُحبُّهمْ كلا ولَس
اﻵخِـرِ
وللدلالة على التدوير يوضع حرف ( م ) فاصلا بين الصدر والعحز ، وكتابته في القصيدة هكذا :
ما أنتَ أولَ مَنْ فقدتُّ منَ الذيـ م
نَ أُحبُّهمْ كلا وَلسْتَ اﻵخِـــــرِ
وهناك تسميات لأبيات الشعر ، فالبيت الواحد من الشعر والذي ليس لهُ ثانٍ يسمى ( يتيما ) ، وإذا كانا بيتين أو ثلاثة سُمِّيت ( نتفة ) ، وإذا كانت أربعة أو خمسة أو ستة أبيات ، سُمِّيت ( قطعة ) ، وإذا كانت اﻷبيات سبعة فما فوق ، سُمِّيت ( قصيدة ) .
---------- انتهت الحلقة اﻷولى -----------

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق